سرّ أنين الربابة
سأل الطفلُ الراعي :
لماذا يكون صوت الربابة حزينا ؟
أجابه الراعي :
لأنه يُريد تذكيرنا بأنين الشاة التي سلخوها ليصنعوا من أحشائها أوتارا .
سوء الظن
قال لصاحبه : أنظر ... أرى رجلا ً يحفر إلى جانب الطريق ... سأرجمه حجرا قاتلا ..
إجابه صاحبه :تريّث ْ .. فربما يحفر بئرا ً كي ينهل منه العطاشى الذين يغذون السير نحو المدينة الفاضلة .
جشع ... وقناعة
همامن مدينة واحدة .. يسكنان زقاقا ً واحدا ً.. صنعا في طفولتهما دمىً منطينبستان واحد .. وأكلا خبزا من ذات طحين الحصة التموينية المغشوش بنشارةالخشب ـ لولا أن ظروفا غير طبيعية جعلت الأول عضوا في برلمان القرية ،بينما الثاني بقي حمّالا ً في السوق ..
الحمّالالجشع لا تكفيه ورقة كاملة لتعداد أمانيه .. منها مثلا ً أن يملك بيتا ًطينيا ً ، وسريراً يسع اثنين ، وحمارا ً للعربة التي قوّستْ ظهره ،وأمنيات كثيرة أخرى كأنْ تكون له إجازة سنوية يتمتع فيها لبضعة أيامبالنوم دون كوابيس الفاقة ..
أما الآخر فقد كان قنوعا ً جدا لدرجة أنّ نصف سطر ٍ يكفي لكتابة جميع أمانيه : أن يمتلك القرية فقط .
حين سخر الحديد من الطين
ذات يوم ، هزأ " حديدُ الحقد " من " طين المحبة " ..
فجأة ، هطلت أمطارٌ من اللهب مصحوبة بالجمر ...
حينكفّ اللهب عن الهطول ، لم يجدِ الناسُ " الحديد " .. فقد تلاشى منصهرا ًبين شقوق الأرض ... أما الطين فقد صار فخّارا منتصبا ً فوق الأرض كالسارية!
درس مجانيّ
إبنُ جاري ، الطفلُ ذو الثلاثة أعوام قدّم لي درسا مجانيا :
في غرفتي المضاءة بالقلق ، كان على المنضدة رغيف خبز .. وتحت المنضدة علبة ٌ مليئة بالمصوغات والحليّ الذهبية ..
وكما يُحدّق قط ٌّ بحوض ٍ زجاجيّ ٍ مليء بأسماك الزينة : كان الطفل يحدق برغيف الخبز ..
لا سلالمَ للمنضدة .. بيديه الطريتين : سحب الطفل علبة الحليّ الذهبية ، فاعتلاها بحذائه الرثّ ، ثم تناول الرغيف .
***
*يُقال ـ والعهدة على الرواة ـ إن الخليفة أبا جعفر المنصور " أو أحدأبنائه " خرج في حرب واصطحب معه الشاعر " أبا دلامة " .. برز من جيش الخصمفارس شديدُ البأس أطاح بخيرة فرسان أبي جعفر .. فالتفت الخليفة إلى أبيدلامة وطلب منه مقاتلة ذلك الفارس ...فقال له أبو دلامة : سيدي الخليفةألا تعرف أنني صاحب عِـيالٍ وأن ضربة سيفي لا تقتل جروا صغيرا ، فاخترْلمنازلته غيري ولك الأجر والثواب ؟ فقال له الخليفة : والله إنني لقاتلكالان إن لم تخرج لمنازلته ...
توجه أبو دلامةنحو الفارس وهو يرتجف ... وحين وصل قرب الفارس قال له : أيها البطل الشجاعهل بيني وبينك عداوة سابقة ؟ أجابه الفارس : لا ... فسأله أبو دلامة : وهللأبيك دَيْنٌ مستحقٌّ على أبي ؟ أجابه الفارس : لا وربي .. فقال له أبودلامة : وهل يُشرّفك أن تقتل جبانا ً مثلي ؟ فأجابه الفارس : أنا لا أبارزإلآ الشجعان .. فقال له أبو دلامة : إذن عُدْ أنت إلى صحبك وأنا أعود إلىصحبي وكفى الله فارسا شجاعا مثلك عارَ قتل ِ جبانٍ مثلي ..
حين رجع أبو دلامة سأله أبو جعفر متعجبا : كيف أرغمت هذا الفارس على الانسحاب؟ أجابه أبو دلامة : لقد استجديتُ رضاه !
كتابتيلهذه القصص القصيرة جدا تشبه إلى حدّ ٍ ما حكاية أبي دلامة ... فأنا لستمؤهلا ً لكتابة هذا النوع من الجنس الأدبي لولا أن أخي المبدع يحيى الشيخزامل قد رمى بي إلى ميدانه حين أهداني بعض قصصه القصيرة جدا فدخلتهاضطرارا ـ فعسى أن يتقبّل فقر بضاعتي كما تقبلها الفارس من أبي دلامة .