صار مخيم عين الحلوة المحاذي لمدينة صيدا، أرضاً خصبة للتفاعل مع
النزاعات الطائفية الواردة إليه والتي امتدّت لتغزو العمق الفلسطيني
متجاوزة حساسية المرحلة ومحظوراتها. ما يحوّل الشارع الفلسطيني على
انقسامه إلى ساحة للاصطفافات السياسية والطائفية.
ويمكن للمراقب ملاحظة ذلك من خلال رصد حماس أبناء المخيمات في متابعة
الأحداث اللبنانية، ويخشى بعضهم من انعكاساتها على الداخل الفلسطيني
لأسباب مرتبطة بتاريخ وجوده ابتداء من حرب المخيمات وصولاً الى كارثة نهر
البارد التي مازالت حية في أذهان اللاجئين.
وفي إفادات شباب المخيم الذين تحدثوا لـ"العربية.نت" بأسماء مستعارة، ما
يفتح الباب واسعاً على هذه الظاهرة الملتبسة في مواقفها والتي غالباً ما
يحركها امتدادها الطائفي.
يعتبر
حسام أن متابعة الملف اللبناني ضرورة ملحّة لفهم حقيقة ما يجري على
الأراضي اللبنانية، وفي قراءته للواقع السياسي يرى أنّ البلد مقسومة إلى
قسمين، وأن واجبه كفلسطيني المراقبة التامة لما يجري سياسياً كي لا يزج
الفلسطيني في خندق الانقسامات اللبنانية، ويعمل جاهداً على عدم الانخراط
في أحاديث سياسية بين رفاقه اللبنانيين في الجامعة، كما أنّه لا يريد أن
يكون طرفاً مؤثراً في هذا النزاع.
ومع إيمانه بأن الحيادية أمر ملحّ بالنسبة له ولأي فلسطيني، غير أنه يعود
ويقول: "لا أعتقد أن الفلسطيني سيشارك في المعركة في حال حدثت حرب أهلية
في لبنان، غير أنه إذا اضطر الأمر فأنا محكوم بالانتماء والولاء الشامل
لطائفتي". يقاطعه صديقه ممتعضاً: "نحن الفلسطينيين لا يجب أن نقف مع طرف
ضد آخر لأننا بنهاية المطاف سنتحمل المسؤولية كاملة".
أمّا عليّ، الذي لا تستهويه السياسة كثيراً، لكنه يهتم بمتابعة الحالة
الراهنة على الساحة اللبنانية على اعتبار أنها ضرورة لجميع الفلسطينيين،
كما هي ضرورة للبنانيّين، ويرجع ذلك إلى انعدام الثقة بإبقاء الفلسطيني
خارج اللعبة السياسية، وربطاً بأحداث نهر البارد، فهو يتوقّع زج
الفلسطينيين في هاوية الحرب الأهلية ما أن تحصل.
وهو أيضاً مقتنع بأن إسرائيل هي من اغتال رفيق الحريري، بعد أن تحوّلت
اهتماماته ورفاقه الى جلسات حوار تناقش الأزمة وتداعياتها على المخيم،
فيقول "أنا متأكد أنه ما أن تقع الفتنة، حتى تنقلب الطاولة على رأس
الفلسطينيين". والمفارقة هنا أنه ورفاقه منسجمون مع مواقفهم السياسية، ولا
يثقون بشرعية المحكمة، يقول صراحة، إذا ما تأثرت مخيماتنا بتداعيات الأزمة
فأنا سأكون من أول المناصرين لحزب الله، لأن التعاطي مع الفلسطيني لن يكون
على أساس طائفته بل على أساس هويته ووجوده المرفوض على هذه الأرض، وكما تم
تصنيع فتح الإسلام في نهر البارد، سيتم تصنيع سواهم بعين الحلوة.
وما بين عليّ وفاطمة طروحات تزيدها العصبيه الطائفية التباساً على التباس.
هي تدعم حزب الله في مقاومته الجنوبيه، وكل مقاومة تصوّب بندقيتها على
العدو الإسرائيلي، كما ترى أن حزب الله قد خرج عن مشروعه المقاوم حينما
نزل إلى شوارع بيروت في السابع من مايو/أيار.
سيناريوهات الحرب الأهلية المقبلة
وفي
حديثٍ عن سيناريوهات الحرب الأهلية القادمة، يشتدّ عصبها السنيّ فترفض
تأييد أي بندقية قد تصوّب رصاصاتها على تيار السنة (المستقبل)، مع
اعترافها الصريح بأن عين الحلوة قد يكون أحد المخارج لتفادي الصدام الذي
سينتج عن القرار الظني.
وهذا ما لم يختلف فيه أحمد عنها، غير أنه يصف المحكمة الدولية بأنها جزء
من مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأن حالة الاحتقان المسيطرة على اللبنانيين
تنبئ بانفجارٍ وشيك، وقد آثر أحمد الحيادية في تنحية سنيّته وموقفه
السياسي عن أي صدام لبناني داخلي قائلاً: "أنا فلسطيني ومشروعي مقاومة
العدو الإسرائيلي، وعندما تشتعل الجبهة اللبنانية سألازم منزلي ولن أخرج
منه".
ولأنّ سيرين تعي جيّداً أن الورقة الفلسطينية ضعيفة جداً لجهة ما يحاك لها
في المنطقة، تبنّت الحيادية عن الانخراط في التجاذبات اللبنانية التي قد
تلقي بظلالها على المخيمات الفلسطينية بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن تأثر
المخيمات بمفاعيل الحرب اللبنانية يعتمد على وعي الفلسطيني لما يدور في
الدهاليز الدولية ضدّه، لكنّها لا تنفي أن هنالك خوفاً من عملية تهدف إلى
جرّ المخيمات لحلبة القتال الطائفي.
وهذا ما أكده محمد بدوره، الذي هو شاهد عيان على حالة التطييف السياسي
داخل عين الحلوة التي تخدم مصالح الفرقاء اللبنانيين، حيث يسعى أحدهم إلى
حشد جيوش السنّة في المخيمات الفلسطينية لتكون على خطّ النار في مواجهة
الشيعة، بينما يعمل الشيعة أيضاً على استخدام عنصر المخيمات الذي سيكون
بدوره الفتيل الأكبر في المعركة الداخلية, قائلاً: "مهما تجنّب
الفلسطينيون الانجرار في هذه الفتنة فإنهم لن ينجحوا لأن المداخل لتوريطنا
متعددة، والطريقة الأفضل للحفاظ على أمننا هي إقفال كل مداخل ومخارج
المخيمات وتحديداً مخيم عين الحلوة، وساعتها اللي برّا برّا واللي جوّا
جوّا".
كل هذه التناقضات في المواقف والرؤى، ورغم حيادية عدد كبير من الشباب غير
أن الموقف الثابت والوحيد الذي جمعهم على اختلافاتهم هو أن المخيمات لن
تسمح بتكرار تجربة نهر البارد ولا ما سبقها من حمّامات الدم في المخيمات،
وأن الفلسطينيين اليوم على جهوزية تامّة للدفاع عن مخيماتهم ضد أي محاولة
لزجّهم في جبهة الحرب وبالطرق التي تفرضها ظروف المعركة.
مفاعيل العصبية الطائفية
ومما
لا شكّ فيه أن مفاعيل العصبية الطائفية تسلّلت إلى الساحة الفلسطينية وإن
كانت بطرق مختلفة ومحكومة لقراءات أو انتماءات الفلسطينيين، الذين بدا
واضحاً من إفاداتهم أن خطراً ما يلاحق أمنهم واستقرارهم، والأخطر من ذلك
هو توجيه البوصلة الفلسطينية إلى الداخل اللبناني ما غذى ظاهرة الانقسام
بين الموقف السياسي والنزعات الطائفية. وللوقوف عند هذه الظاهرة التي
تؤشّر على وجود سيناريوهات مختلفة تستهدف الفلسطينيين، كان للناشط
الفلسطيني في المخيمات إدوار كتّوره مداخلة تشرح هذا الالتباس. حيث فسّر
الاهتمام بالشأن اللبناني من قبل الفلسطينيين، على أنه عائد لطبيعة الوجود
الفلسطيني في لبنان والذي برأيه كثيراً ما يتأثر ويؤثر بما يحصل في الداخل
اللبناني.
ولأن المعطيات تشير إلى توتر فعلي حاصل فإن الاهتمام الفلسطيني يأخذ
حيّزاً أوسع من المتابعة. وفي ما يخص الموقف الفلسطيني الرسمي، فإنه يؤكد
أنه لا علاقة للفلسطينيين بالشأن الداخلي اللبناني، وهم دائماً تحت سيادة
القانون اللبناني، ولا يريدون سوى أمن واستقرار المخيمات.
لكنّ واقع الحال برأيه يشير إلى أن أطراف النزاع في لبنان سواء كانوا
موالاة أو معارضة يعملون جاهدين على شدّ الجسم الفلسطيني إلى لعبتهم
الداخلية وإحداث معادلة جديدة في موازين القوى لا تخدم أحداً، فإن موقف
المعارضه من موضوع الوجود الفلسطيني منقسم إلى قسمين وفق رأيه: الأول
مفاده أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو سلاح مقاومة وضمأنة لرفض
التوطين. أمّا داخل المخيمات فهو سلاح مشبوه مرتبط بمشروع أمريكي
إسرائيلي. وفي الوقت عينه ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم جيش السنّة.
ثم يعلّق على عملية التعويل على الفلسطينيين بأنهم فلسطينيون فقط، ليسوا
سنة ولا شيعة ولا أورثوذكس ولا موارنة ولا سوى ذلك. مضيفاً أن هذا التعاطي
مع الفلسطيني مؤذ لكل من الفلسطيني واللبناني. ثم يقدّم نفسه نموذجاً
قائلاً: "وعلى سبيل المثال أنا فلسطيني، لست سنيّاً ولا علاقة لي لا
بالسنة ولا بالشيعة أنا فقط مع فلسطين، ما يعني أن المعيار يكون من مع
فلسطين وليس الفلسطيني مع من".
وأكد أنه بعد انتقال قوات الثورة الفلسطينية إلى فلسطين نتيجة اتفاق أوسلو
وتأسيس السلطة وانتقال الصراع إلى داخل فلسطين لم يعد للفلسطيني أي مشروع
سياسي أو أمني أو عسكري من خارج الأراضي الفلسطينية وبالأخص لبنان. أما
أهداف الفلسطينيين في لبنان فهي محصورة في الأمان الإنساني واستقرار
المخيمات، إضافة لتأمين الصحة والتعليم والعمل بكرامة في بيئة نظيفة وحركة
سياسية تجاه القرار 194.
ويقول: "لبنان يناقش خطة دفاع استراتيجي ويجمع كل عناصر القوه ليقاتل
الإسرائيلي.. هل نستطيع أن نشكل من الوجود الفلسطيني عنصر قوة بخطة دفاع
استراتيجي، وإذا كان المشروع الحقيقي مقاومة إسرائيل، أنا أطلب من حزب
الله إدخال المقاومة الفلسطينية كجزء أساسي في غرفة عمليات المقاومة".
مواقف الشباب الفلسطيني
وحول
إفادات الشباب الفلسطيني الذين وردت مواقفهم بما يشبه الردّات المذهبية
والطائفيه فهي بنظره، ردّات طبيعية لأن الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين
في لبنان ملتزمة بسقف منظمة التحرير، على حدّ قوله، وعندما يأتي أي طرف
ليخوّن منظمة التحرير فإن للفلسطيني حق الرد بالطريقة التي يراها مناسبة،
بغض النظر عما إذا كان موقفه محارباً للسّنة أو الشّيعة أو العلمانية أو
سواها، لأنه يعبّر عن اعتراضه على أي طرف يدعم حالة الانقسام بدل أن يرعى
التفاهم، وحق الفلسطيني أن يكون موقفه منطلقاً من مصالحه. وللشباب أيضاً
حق التعبير سواء كان ذلك بسنيتهم لرفض ما تحيكه لهم الأطراف الأخرى أو
بغيرها من طرق التعبير المختلفة، بالتالي فإن الفلسطينيين ليسوا في قفص
الاتهام.
ويتابع "بالنهاية فإن اللبنانيين المنقسمين بين 8 و14 مجتمعين، هم من
اتفقوا على سنّ قانون الغيتو على الفلسطيني ومنعه من حصوله على حقوقه
المدنية بدليل أن رأس الحربة والمتطرف كان ميشال عون حليف حزب الله، وكي
لا يحرج حزب الله حليفه المسيحي "طلعنا نحنا الضحية".
ويقول: "عملياً فإن مواقف الشباب هذه، ليست مواقف سنيّة بل هي ردّات من
المجتمع الفلسطيني المتمسك بمنظمة التحرير والذي يشكل الأكثرية، وهذا يدل
على أننا رافضين لكل الهجمات والإتهامات".
أما عن قضية المحكمة الدولية والقرار الظني، فهو يصنّفهما على أنهما
تفصيلان لما يحضّر بالمنطقة وبالتالي هما أدوات لتنفيذ السيناريو الأكبر
في وقت كل السيناريوهات المطروحة تمد أصابعها الى الفلسطيني، فإذا قيل
"محكمة"، يعني الفلسطيني، وإذا قيل "قرار ظني" فهذا يعني الفلسطيني أيضاً.
وفي قراءته أن الفلسطيني مستهدف بحكم التركيبة اللبنانية التي تقول: لا
للتوطين، في الوقت الذي يرفض فيه الفلسطيني كل أشكال التوطين والتهجير،
حيث إن هنالك تركيبة تضع الفلسطيني على أنه هدف جاهز ليكون المخرج من أي
أزمة لبنانية عالقة، كما أن الموضوع الفلسطيني مطروح على الطاولة بشكل
مستمر، فاليوم يستعملون المحكمة وغداً يستعملون الفلسطينيين على أنهم بؤر
أمنية.
تجربة نهر البارد
ويرى
أن هذا الاستخدام للفلسطيني ليس محصوراً بطرف لبناني دون آخر إنما هناك
إجماع لبناني على ذلك. والأساس في لبنان ليس المحكمة إنما القرار 1559،
الذي مازال ينقص تنفيذه بندان أساسيان هما سلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة.
واقع الحال كما يراه إدوار، هو وجود مناخ يعملون عليه لتهيئة سيناريوهات
جديدة باتجاه المخيمات تحتم على الفلسطينيين الحذر الشديد، منها الحديث عن
إعادة تكرار نكسة نهر البارد، ومنها أيضاً أن المعركة الكبرى ستكون في عين
الحلوة وأن بقية المخيمات غير محسوب لها حساب بحكم جغرافيتها.
ولتجنيب الوضع الفلسطيني واللبناني من أي احتكاك مباشر يجب أن يكون هناك
أرضية لتفاهم مشترك على كيفية تفادي هذه المعركة، مع أن الفلسطينيين
متمكّنون من السيطرة على حيادية عين الحلوة وبقية المخيمات، يقول: "لا
تلعبوا بنا كثيراً لتجرّونا إلى خلافاتكم الداخليّة لأن في ذلك خسارة على
كلينا، وإذا ما تم وضعنا بموضع الذي عليه أن يتلقّى الضربة دون أن يصرخ،
فإن هذا لن يحصل أبداً، يجب العمل لتحصين الوضع الفلسطيني الداخلي وتمتين
الشراكة مع كل القوى سواء منظمة التحرير أو قوى التحالف أو أي قوى غير
موجودة في إطار منظمة التحرير، كالقوى الإسلامية وغيرها، ويجب أن نستمر
باتجاه اللقاء مع جميع اللبنانيين لوقف الحملات المشبوهة، كما علينا قراءة
الأوضاع السياسة بدقّة، كي يتم إسقاط جميع المشاريع التي يتم تصنيعها
لتفجير المخيمات، وعلى الجميع أن يعلم أن لحمنا الفلسطيني مُرْ، كما أن
الّدفاع عن النفس هو أمر شرعته كل القوانين والأديان".
وأضاف "عملياً كل الأيادي ممدودة إلى المخيمات والفلسطيني يدفع الثمن، ذلك
أن تجربة نهر البارد مازالت حية في الوقت الذي هناك قرار فلسطيني رسمي
بعدم تكرار نهر البارد مهما كان الثمن، وعلاقتنا مع الجيش اللبناني ممتازة
لكن يجب تطويرها لأبعد مما يخص الجيش اللبناني فقط، بل بما يخص الحاجة
الفلسطينية بما يحافظ على الأمن والأمان في المخيمات. والخطر على المخيمات
ليس محصوراً بالقضية الطائفية، ولأن تجاربنا السابقة علمتنا أنه يجب إسقاط
كل المشاريع عبر تحصين الوضع الداخلي، وما نواجهه في لبنان ليس له علاقه
بالصراع ضد اسرائيل، إنما له علاقه بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية،
ما يعني أن الخطر والخوف يحيطان بالمخيمات من أكثر من جهة".
ثم يطرح سؤالاً: "هل نستطيع نحن الفلسطينيين وأشقاؤنا اللبنانيين أن نصل إلى تفاهم سياسي وقانوني يرعى الوجود الفلسطيني في لبنان؟".
النزاعات الطائفية الواردة إليه والتي امتدّت لتغزو العمق الفلسطيني
متجاوزة حساسية المرحلة ومحظوراتها. ما يحوّل الشارع الفلسطيني على
انقسامه إلى ساحة للاصطفافات السياسية والطائفية.
ويمكن للمراقب ملاحظة ذلك من خلال رصد حماس أبناء المخيمات في متابعة
الأحداث اللبنانية، ويخشى بعضهم من انعكاساتها على الداخل الفلسطيني
لأسباب مرتبطة بتاريخ وجوده ابتداء من حرب المخيمات وصولاً الى كارثة نهر
البارد التي مازالت حية في أذهان اللاجئين.
وفي إفادات شباب المخيم الذين تحدثوا لـ"العربية.نت" بأسماء مستعارة، ما
يفتح الباب واسعاً على هذه الظاهرة الملتبسة في مواقفها والتي غالباً ما
يحركها امتدادها الطائفي.
يعتبر
حسام أن متابعة الملف اللبناني ضرورة ملحّة لفهم حقيقة ما يجري على
الأراضي اللبنانية، وفي قراءته للواقع السياسي يرى أنّ البلد مقسومة إلى
قسمين، وأن واجبه كفلسطيني المراقبة التامة لما يجري سياسياً كي لا يزج
الفلسطيني في خندق الانقسامات اللبنانية، ويعمل جاهداً على عدم الانخراط
في أحاديث سياسية بين رفاقه اللبنانيين في الجامعة، كما أنّه لا يريد أن
يكون طرفاً مؤثراً في هذا النزاع.
ومع إيمانه بأن الحيادية أمر ملحّ بالنسبة له ولأي فلسطيني، غير أنه يعود
ويقول: "لا أعتقد أن الفلسطيني سيشارك في المعركة في حال حدثت حرب أهلية
في لبنان، غير أنه إذا اضطر الأمر فأنا محكوم بالانتماء والولاء الشامل
لطائفتي". يقاطعه صديقه ممتعضاً: "نحن الفلسطينيين لا يجب أن نقف مع طرف
ضد آخر لأننا بنهاية المطاف سنتحمل المسؤولية كاملة".
أمّا عليّ، الذي لا تستهويه السياسة كثيراً، لكنه يهتم بمتابعة الحالة
الراهنة على الساحة اللبنانية على اعتبار أنها ضرورة لجميع الفلسطينيين،
كما هي ضرورة للبنانيّين، ويرجع ذلك إلى انعدام الثقة بإبقاء الفلسطيني
خارج اللعبة السياسية، وربطاً بأحداث نهر البارد، فهو يتوقّع زج
الفلسطينيين في هاوية الحرب الأهلية ما أن تحصل.
وهو أيضاً مقتنع بأن إسرائيل هي من اغتال رفيق الحريري، بعد أن تحوّلت
اهتماماته ورفاقه الى جلسات حوار تناقش الأزمة وتداعياتها على المخيم،
فيقول "أنا متأكد أنه ما أن تقع الفتنة، حتى تنقلب الطاولة على رأس
الفلسطينيين". والمفارقة هنا أنه ورفاقه منسجمون مع مواقفهم السياسية، ولا
يثقون بشرعية المحكمة، يقول صراحة، إذا ما تأثرت مخيماتنا بتداعيات الأزمة
فأنا سأكون من أول المناصرين لحزب الله، لأن التعاطي مع الفلسطيني لن يكون
على أساس طائفته بل على أساس هويته ووجوده المرفوض على هذه الأرض، وكما تم
تصنيع فتح الإسلام في نهر البارد، سيتم تصنيع سواهم بعين الحلوة.
وما بين عليّ وفاطمة طروحات تزيدها العصبيه الطائفية التباساً على التباس.
هي تدعم حزب الله في مقاومته الجنوبيه، وكل مقاومة تصوّب بندقيتها على
العدو الإسرائيلي، كما ترى أن حزب الله قد خرج عن مشروعه المقاوم حينما
نزل إلى شوارع بيروت في السابع من مايو/أيار.
سيناريوهات الحرب الأهلية المقبلة
وفي
حديثٍ عن سيناريوهات الحرب الأهلية القادمة، يشتدّ عصبها السنيّ فترفض
تأييد أي بندقية قد تصوّب رصاصاتها على تيار السنة (المستقبل)، مع
اعترافها الصريح بأن عين الحلوة قد يكون أحد المخارج لتفادي الصدام الذي
سينتج عن القرار الظني.
وهذا ما لم يختلف فيه أحمد عنها، غير أنه يصف المحكمة الدولية بأنها جزء
من مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأن حالة الاحتقان المسيطرة على اللبنانيين
تنبئ بانفجارٍ وشيك، وقد آثر أحمد الحيادية في تنحية سنيّته وموقفه
السياسي عن أي صدام لبناني داخلي قائلاً: "أنا فلسطيني ومشروعي مقاومة
العدو الإسرائيلي، وعندما تشتعل الجبهة اللبنانية سألازم منزلي ولن أخرج
منه".
ولأنّ سيرين تعي جيّداً أن الورقة الفلسطينية ضعيفة جداً لجهة ما يحاك لها
في المنطقة، تبنّت الحيادية عن الانخراط في التجاذبات اللبنانية التي قد
تلقي بظلالها على المخيمات الفلسطينية بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن تأثر
المخيمات بمفاعيل الحرب اللبنانية يعتمد على وعي الفلسطيني لما يدور في
الدهاليز الدولية ضدّه، لكنّها لا تنفي أن هنالك خوفاً من عملية تهدف إلى
جرّ المخيمات لحلبة القتال الطائفي.
وهذا ما أكده محمد بدوره، الذي هو شاهد عيان على حالة التطييف السياسي
داخل عين الحلوة التي تخدم مصالح الفرقاء اللبنانيين، حيث يسعى أحدهم إلى
حشد جيوش السنّة في المخيمات الفلسطينية لتكون على خطّ النار في مواجهة
الشيعة، بينما يعمل الشيعة أيضاً على استخدام عنصر المخيمات الذي سيكون
بدوره الفتيل الأكبر في المعركة الداخلية, قائلاً: "مهما تجنّب
الفلسطينيون الانجرار في هذه الفتنة فإنهم لن ينجحوا لأن المداخل لتوريطنا
متعددة، والطريقة الأفضل للحفاظ على أمننا هي إقفال كل مداخل ومخارج
المخيمات وتحديداً مخيم عين الحلوة، وساعتها اللي برّا برّا واللي جوّا
جوّا".
كل هذه التناقضات في المواقف والرؤى، ورغم حيادية عدد كبير من الشباب غير
أن الموقف الثابت والوحيد الذي جمعهم على اختلافاتهم هو أن المخيمات لن
تسمح بتكرار تجربة نهر البارد ولا ما سبقها من حمّامات الدم في المخيمات،
وأن الفلسطينيين اليوم على جهوزية تامّة للدفاع عن مخيماتهم ضد أي محاولة
لزجّهم في جبهة الحرب وبالطرق التي تفرضها ظروف المعركة.
مفاعيل العصبية الطائفية
ومما
لا شكّ فيه أن مفاعيل العصبية الطائفية تسلّلت إلى الساحة الفلسطينية وإن
كانت بطرق مختلفة ومحكومة لقراءات أو انتماءات الفلسطينيين، الذين بدا
واضحاً من إفاداتهم أن خطراً ما يلاحق أمنهم واستقرارهم، والأخطر من ذلك
هو توجيه البوصلة الفلسطينية إلى الداخل اللبناني ما غذى ظاهرة الانقسام
بين الموقف السياسي والنزعات الطائفية. وللوقوف عند هذه الظاهرة التي
تؤشّر على وجود سيناريوهات مختلفة تستهدف الفلسطينيين، كان للناشط
الفلسطيني في المخيمات إدوار كتّوره مداخلة تشرح هذا الالتباس. حيث فسّر
الاهتمام بالشأن اللبناني من قبل الفلسطينيين، على أنه عائد لطبيعة الوجود
الفلسطيني في لبنان والذي برأيه كثيراً ما يتأثر ويؤثر بما يحصل في الداخل
اللبناني.
ولأن المعطيات تشير إلى توتر فعلي حاصل فإن الاهتمام الفلسطيني يأخذ
حيّزاً أوسع من المتابعة. وفي ما يخص الموقف الفلسطيني الرسمي، فإنه يؤكد
أنه لا علاقة للفلسطينيين بالشأن الداخلي اللبناني، وهم دائماً تحت سيادة
القانون اللبناني، ولا يريدون سوى أمن واستقرار المخيمات.
لكنّ واقع الحال برأيه يشير إلى أن أطراف النزاع في لبنان سواء كانوا
موالاة أو معارضة يعملون جاهدين على شدّ الجسم الفلسطيني إلى لعبتهم
الداخلية وإحداث معادلة جديدة في موازين القوى لا تخدم أحداً، فإن موقف
المعارضه من موضوع الوجود الفلسطيني منقسم إلى قسمين وفق رأيه: الأول
مفاده أن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات هو سلاح مقاومة وضمأنة لرفض
التوطين. أمّا داخل المخيمات فهو سلاح مشبوه مرتبط بمشروع أمريكي
إسرائيلي. وفي الوقت عينه ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم جيش السنّة.
ثم يعلّق على عملية التعويل على الفلسطينيين بأنهم فلسطينيون فقط، ليسوا
سنة ولا شيعة ولا أورثوذكس ولا موارنة ولا سوى ذلك. مضيفاً أن هذا التعاطي
مع الفلسطيني مؤذ لكل من الفلسطيني واللبناني. ثم يقدّم نفسه نموذجاً
قائلاً: "وعلى سبيل المثال أنا فلسطيني، لست سنيّاً ولا علاقة لي لا
بالسنة ولا بالشيعة أنا فقط مع فلسطين، ما يعني أن المعيار يكون من مع
فلسطين وليس الفلسطيني مع من".
وأكد أنه بعد انتقال قوات الثورة الفلسطينية إلى فلسطين نتيجة اتفاق أوسلو
وتأسيس السلطة وانتقال الصراع إلى داخل فلسطين لم يعد للفلسطيني أي مشروع
سياسي أو أمني أو عسكري من خارج الأراضي الفلسطينية وبالأخص لبنان. أما
أهداف الفلسطينيين في لبنان فهي محصورة في الأمان الإنساني واستقرار
المخيمات، إضافة لتأمين الصحة والتعليم والعمل بكرامة في بيئة نظيفة وحركة
سياسية تجاه القرار 194.
ويقول: "لبنان يناقش خطة دفاع استراتيجي ويجمع كل عناصر القوه ليقاتل
الإسرائيلي.. هل نستطيع أن نشكل من الوجود الفلسطيني عنصر قوة بخطة دفاع
استراتيجي، وإذا كان المشروع الحقيقي مقاومة إسرائيل، أنا أطلب من حزب
الله إدخال المقاومة الفلسطينية كجزء أساسي في غرفة عمليات المقاومة".
مواقف الشباب الفلسطيني
وحول
إفادات الشباب الفلسطيني الذين وردت مواقفهم بما يشبه الردّات المذهبية
والطائفيه فهي بنظره، ردّات طبيعية لأن الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين
في لبنان ملتزمة بسقف منظمة التحرير، على حدّ قوله، وعندما يأتي أي طرف
ليخوّن منظمة التحرير فإن للفلسطيني حق الرد بالطريقة التي يراها مناسبة،
بغض النظر عما إذا كان موقفه محارباً للسّنة أو الشّيعة أو العلمانية أو
سواها، لأنه يعبّر عن اعتراضه على أي طرف يدعم حالة الانقسام بدل أن يرعى
التفاهم، وحق الفلسطيني أن يكون موقفه منطلقاً من مصالحه. وللشباب أيضاً
حق التعبير سواء كان ذلك بسنيتهم لرفض ما تحيكه لهم الأطراف الأخرى أو
بغيرها من طرق التعبير المختلفة، بالتالي فإن الفلسطينيين ليسوا في قفص
الاتهام.
ويتابع "بالنهاية فإن اللبنانيين المنقسمين بين 8 و14 مجتمعين، هم من
اتفقوا على سنّ قانون الغيتو على الفلسطيني ومنعه من حصوله على حقوقه
المدنية بدليل أن رأس الحربة والمتطرف كان ميشال عون حليف حزب الله، وكي
لا يحرج حزب الله حليفه المسيحي "طلعنا نحنا الضحية".
ويقول: "عملياً فإن مواقف الشباب هذه، ليست مواقف سنيّة بل هي ردّات من
المجتمع الفلسطيني المتمسك بمنظمة التحرير والذي يشكل الأكثرية، وهذا يدل
على أننا رافضين لكل الهجمات والإتهامات".
أما عن قضية المحكمة الدولية والقرار الظني، فهو يصنّفهما على أنهما
تفصيلان لما يحضّر بالمنطقة وبالتالي هما أدوات لتنفيذ السيناريو الأكبر
في وقت كل السيناريوهات المطروحة تمد أصابعها الى الفلسطيني، فإذا قيل
"محكمة"، يعني الفلسطيني، وإذا قيل "قرار ظني" فهذا يعني الفلسطيني أيضاً.
وفي قراءته أن الفلسطيني مستهدف بحكم التركيبة اللبنانية التي تقول: لا
للتوطين، في الوقت الذي يرفض فيه الفلسطيني كل أشكال التوطين والتهجير،
حيث إن هنالك تركيبة تضع الفلسطيني على أنه هدف جاهز ليكون المخرج من أي
أزمة لبنانية عالقة، كما أن الموضوع الفلسطيني مطروح على الطاولة بشكل
مستمر، فاليوم يستعملون المحكمة وغداً يستعملون الفلسطينيين على أنهم بؤر
أمنية.
تجربة نهر البارد
ويرى
أن هذا الاستخدام للفلسطيني ليس محصوراً بطرف لبناني دون آخر إنما هناك
إجماع لبناني على ذلك. والأساس في لبنان ليس المحكمة إنما القرار 1559،
الذي مازال ينقص تنفيذه بندان أساسيان هما سلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة.
واقع الحال كما يراه إدوار، هو وجود مناخ يعملون عليه لتهيئة سيناريوهات
جديدة باتجاه المخيمات تحتم على الفلسطينيين الحذر الشديد، منها الحديث عن
إعادة تكرار نكسة نهر البارد، ومنها أيضاً أن المعركة الكبرى ستكون في عين
الحلوة وأن بقية المخيمات غير محسوب لها حساب بحكم جغرافيتها.
ولتجنيب الوضع الفلسطيني واللبناني من أي احتكاك مباشر يجب أن يكون هناك
أرضية لتفاهم مشترك على كيفية تفادي هذه المعركة، مع أن الفلسطينيين
متمكّنون من السيطرة على حيادية عين الحلوة وبقية المخيمات، يقول: "لا
تلعبوا بنا كثيراً لتجرّونا إلى خلافاتكم الداخليّة لأن في ذلك خسارة على
كلينا، وإذا ما تم وضعنا بموضع الذي عليه أن يتلقّى الضربة دون أن يصرخ،
فإن هذا لن يحصل أبداً، يجب العمل لتحصين الوضع الفلسطيني الداخلي وتمتين
الشراكة مع كل القوى سواء منظمة التحرير أو قوى التحالف أو أي قوى غير
موجودة في إطار منظمة التحرير، كالقوى الإسلامية وغيرها، ويجب أن نستمر
باتجاه اللقاء مع جميع اللبنانيين لوقف الحملات المشبوهة، كما علينا قراءة
الأوضاع السياسة بدقّة، كي يتم إسقاط جميع المشاريع التي يتم تصنيعها
لتفجير المخيمات، وعلى الجميع أن يعلم أن لحمنا الفلسطيني مُرْ، كما أن
الّدفاع عن النفس هو أمر شرعته كل القوانين والأديان".
وأضاف "عملياً كل الأيادي ممدودة إلى المخيمات والفلسطيني يدفع الثمن، ذلك
أن تجربة نهر البارد مازالت حية في الوقت الذي هناك قرار فلسطيني رسمي
بعدم تكرار نهر البارد مهما كان الثمن، وعلاقتنا مع الجيش اللبناني ممتازة
لكن يجب تطويرها لأبعد مما يخص الجيش اللبناني فقط، بل بما يخص الحاجة
الفلسطينية بما يحافظ على الأمن والأمان في المخيمات. والخطر على المخيمات
ليس محصوراً بالقضية الطائفية، ولأن تجاربنا السابقة علمتنا أنه يجب إسقاط
كل المشاريع عبر تحصين الوضع الداخلي، وما نواجهه في لبنان ليس له علاقه
بالصراع ضد اسرائيل، إنما له علاقه بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية،
ما يعني أن الخطر والخوف يحيطان بالمخيمات من أكثر من جهة".
ثم يطرح سؤالاً: "هل نستطيع نحن الفلسطينيين وأشقاؤنا اللبنانيين أن نصل إلى تفاهم سياسي وقانوني يرعى الوجود الفلسطيني في لبنان؟".