الفترات
الانتقالية المعتادة يتولاها الرجال الذين مهدوا الطريق إليها. الجميع
يدرك الآن أن دولة جنوب السودان المرتقبة باتت قدراً لابد منه وأنه لا
سبيل إلا المواجهة.
في خبرات الدول الناشئة يتولى الزعيم رئاسة الدولة لفترة يتم خلالها وضع دستور
لنظام الحكم وتداول السلطة. سيلفاكير هو الرجل المهيأ لذلك في جنوب
السودان والذي قد يصبح منزله في جوبا ومقر حكومته هما الأبرز في صنع
مستقبل السودان الجديد خلال المرحلة القادمة.
الإعلامي السوداني أحمد القرشي يواصل في الحلقة الثانية تحليله لتلك
المرحلة من واقع خبراته في تلك المنطقة من خلال عمله كمراسل لقناة mbc في
تسعينيات القرن الماضي.. وإلى ما كتبه..
في سهول خضراء جنوب كينيا
سلفاكير مع الرئيس عمر البشير
في مغيبِ الثاني
والعشرين من مارس/آذار في عام 1995، والمطرُ يتهاوى بصبرٍ في سهول
"بليكيتش" الخضراء في جنوب كينيا، وقف سيلفاكير أمام منزله، كما المترقب
منذ وقتٍ طويل لوصولنا ونحن في الطريق إلى جنوب السودان للقاء جون قرنق.
قلقٌ كان باعثه الخشية من خطورة الطريق ما دفعه إلى تلمس مسار خطونا. روحٌ
مرحة وكرم يجتهد فيه المضيف في بيوت السودان لمن عرفها، أحاطنا بها ووفد
mbc وودعنا بدفءٍ كبير، تتناقضُ مع صورة الزعيم العسكري الصارم التي أذيعت
عنه.
ولا غرابة أن تصدق جوهرها، فسيلفاكير منذ صباه الباكر، ترك صفوف الدراسة
لينضم لحركة التمرد الأولى عام 1968، وأظهر إقداماً وثباتاً وحصافة، نضجت
عند انضمامه ضابطاً في الجيش السوداني بعد توقيع اتفاق سلامٍ مع حكومة
جعفر النميري عام 1972. ومع ما وسمته به العسكرية من انضباط عُرف عنه وضوح
الرأي، بل وشجاعته وذكاءً نافذاً وثقافةً ثرة كسبها بجهد.
وبات سيلفا مرجعاً في استخبارات الجيش السوداني. وعند قيام الحركة الشعبية
وجيشها في تمرد عام 1983، سرعان ما تسنم عضوية القيادة، وتجلت قدراته
العسكرية وبساطته في تشكيل وحداتٍ عسكرية قادرة ومنضبطة من الشباب الجنوبي
الغاضب على حكومة الخرطوم.
ورغم أن بدايات الحركة الشعبية اتسمت بسيادة عناصر قبيلة الدينكا، الأكبر
في جنوب السودان، إلا أن سيلفاكير وهو منهم، أسهم في بناء قوةٍ عسكرية،
نأت عن الجهوية والقبلية في أغلب أحوالها، واحترمت القوانين العسكرية في
كثيرٍ من الأحيان.
وبقي سيلفاكير مخلصاً لقيادة قرنق، فلم تهزه الانشقاقات أو محاولات
الاغتيال المتكررة، وتكور صبره ودهاؤه معاً وتمكنه من إدارة مراحل صعبة،
من الانشقاقات والصراعات الدامية والهزائم.
ولم تستغرب العامة اختياره عام 1994 نائباً لرئيس الحركة الشعبية، ولم
يتوقف الخاصة عندما رأس سيلفاكير قبلها وفد سلام الحركة مع الحكومة عام
1993 في وقتِ هزائم قاسية وانحسارٍ كاد أن يقصمها.
أسس السودان الجديد كان شرطه للسلام
مطار جوبا الدولي
في مفاوضات 2002
تغيرت الظروف والتحالفات في الخرطوم، وعلى أرض المعركة لصالح الحركة
الشعبية، ولم ينفك سيلفا يجدد المطالبة بوقف نار وفترة انتقالية تنتهي
باستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وعلاقته بالشمال.
كان سيلفاكير يعبر عن رؤية الحركة وأغلبية الجنوبيين: لا وثاق إلا بسلامٍ
مشروط.. "بناء أسس سودان جديد"، والإشرئباب الى وطنٍ حديث يسع الجميع"..
أو الانسلاخ.
وبعيد مقتل جون قرنق في حادث تحطم المروحية، لم يجد أهل الحركة خلفاً منازعاً له في قيادة الحركة.
وجد سيلفا في الحركة ما بعد قرنق، رأياً عاماً، تتصدره القيادات الشابة في
الحركة تعمقُ الشكوك في جدية شريك الحكم، المؤتمر الوطني في تنفيذ برامج
اتفاق السلام التنموية وتحقيق التغيير السياسي الديمقراطي.
ولا مندوحة من التأكيد أن قيادات الحركة الشابة، وأعني التي لم تتجاوز
الخمسين، تثقلها عداوات مريرة مع أركان الحكومة، تمتد إلى الصراعات
السياسية التي لم تخل من العنف في المدارس الثانوية والجامعات، ويقلقها فض
التحالفات قبل السلام مع الأحزاب المعارضة للخرطوم في شمال السودان،
الأحزاب التي توافقت معها الحركة على تغيير الحكم في الخرطوم بالقوة.
تغيير بعد 60 سنة تخلّف
سلفاكير مع جون قرنق
كل ذلك تنفحُ ناره
بطء عملية التغيير في بلدٍ تفترسه سنون تخلف. ولم ينفك سيلفاكير يردد
ضرورة العمل وتهيئة أسباب تصويت الجنوبيين في الاستفتاء من أجل الوحدة..
وأعرض لثلاث سنوات عن إبداء خلاف ذلك، يلملم من هنا وهناك مقابض أمر
الحركة، مظهراً كثيراً من اللين تجاه مخالفيه في الحركة، ومرونة إزاء
خصومه من الجنوبيين
خارجها.
ولفتت قدراته القيادية الأنظار عندما غزا الخرطوم مسلحون من دارفور عام 2008 وأثاروا الوجل والفوضى.
بتحركاته المدروسة وخطاباته الواثقة وقسماته المطمئنة وعربيته الواضحة
المتقنة المنتقاة، طرد سيلفاكير الرعب الذي استبد في شوارع الخرطوم.
بيد أن اليقين الظاهر في إمكان أن تستقطب الوحدة الأصوات في الاستفتاء لم
تلزم لسان سيلفاكير طويلاً، وبعد أن كان قول قرنق "من يرد الانفصال عليه
أن يقاتل للحصول عليه"، أفصح سيلفاكير عن قول أغلب قادة وأعضاء الحركة
الشعبية، قالها سيلفاكير بوضوح لجمعٍ من الجنوبيين في نوفمبر/تشرين الثاني
عام 2009 إن "الاستفتاء فرصة للاختيار بين أن تكون مواطناً من الدرجة
الثانية في وطنك أو أن تكون إنساناً حراً في بلدٍ مستقل".
رابط الحلقة الأولى:
http://www.alarabiya.net/articles/2010/12/21/130400.html
الانتقالية المعتادة يتولاها الرجال الذين مهدوا الطريق إليها. الجميع
يدرك الآن أن دولة جنوب السودان المرتقبة باتت قدراً لابد منه وأنه لا
سبيل إلا المواجهة.
في خبرات الدول الناشئة يتولى الزعيم رئاسة الدولة لفترة يتم خلالها وضع دستور
لنظام الحكم وتداول السلطة. سيلفاكير هو الرجل المهيأ لذلك في جنوب
السودان والذي قد يصبح منزله في جوبا ومقر حكومته هما الأبرز في صنع
مستقبل السودان الجديد خلال المرحلة القادمة.
الإعلامي السوداني أحمد القرشي يواصل في الحلقة الثانية تحليله لتلك
المرحلة من واقع خبراته في تلك المنطقة من خلال عمله كمراسل لقناة mbc في
تسعينيات القرن الماضي.. وإلى ما كتبه..
في سهول خضراء جنوب كينيا
سلفاكير مع الرئيس عمر البشير
في مغيبِ الثاني
والعشرين من مارس/آذار في عام 1995، والمطرُ يتهاوى بصبرٍ في سهول
"بليكيتش" الخضراء في جنوب كينيا، وقف سيلفاكير أمام منزله، كما المترقب
منذ وقتٍ طويل لوصولنا ونحن في الطريق إلى جنوب السودان للقاء جون قرنق.
قلقٌ كان باعثه الخشية من خطورة الطريق ما دفعه إلى تلمس مسار خطونا. روحٌ
مرحة وكرم يجتهد فيه المضيف في بيوت السودان لمن عرفها، أحاطنا بها ووفد
mbc وودعنا بدفءٍ كبير، تتناقضُ مع صورة الزعيم العسكري الصارم التي أذيعت
عنه.
ولا غرابة أن تصدق جوهرها، فسيلفاكير منذ صباه الباكر، ترك صفوف الدراسة
لينضم لحركة التمرد الأولى عام 1968، وأظهر إقداماً وثباتاً وحصافة، نضجت
عند انضمامه ضابطاً في الجيش السوداني بعد توقيع اتفاق سلامٍ مع حكومة
جعفر النميري عام 1972. ومع ما وسمته به العسكرية من انضباط عُرف عنه وضوح
الرأي، بل وشجاعته وذكاءً نافذاً وثقافةً ثرة كسبها بجهد.
وبات سيلفا مرجعاً في استخبارات الجيش السوداني. وعند قيام الحركة الشعبية
وجيشها في تمرد عام 1983، سرعان ما تسنم عضوية القيادة، وتجلت قدراته
العسكرية وبساطته في تشكيل وحداتٍ عسكرية قادرة ومنضبطة من الشباب الجنوبي
الغاضب على حكومة الخرطوم.
ورغم أن بدايات الحركة الشعبية اتسمت بسيادة عناصر قبيلة الدينكا، الأكبر
في جنوب السودان، إلا أن سيلفاكير وهو منهم، أسهم في بناء قوةٍ عسكرية،
نأت عن الجهوية والقبلية في أغلب أحوالها، واحترمت القوانين العسكرية في
كثيرٍ من الأحيان.
وبقي سيلفاكير مخلصاً لقيادة قرنق، فلم تهزه الانشقاقات أو محاولات
الاغتيال المتكررة، وتكور صبره ودهاؤه معاً وتمكنه من إدارة مراحل صعبة،
من الانشقاقات والصراعات الدامية والهزائم.
ولم تستغرب العامة اختياره عام 1994 نائباً لرئيس الحركة الشعبية، ولم
يتوقف الخاصة عندما رأس سيلفاكير قبلها وفد سلام الحركة مع الحكومة عام
1993 في وقتِ هزائم قاسية وانحسارٍ كاد أن يقصمها.
أسس السودان الجديد كان شرطه للسلام
مطار جوبا الدولي
في مفاوضات 2002
تغيرت الظروف والتحالفات في الخرطوم، وعلى أرض المعركة لصالح الحركة
الشعبية، ولم ينفك سيلفا يجدد المطالبة بوقف نار وفترة انتقالية تنتهي
باستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، وعلاقته بالشمال.
كان سيلفاكير يعبر عن رؤية الحركة وأغلبية الجنوبيين: لا وثاق إلا بسلامٍ
مشروط.. "بناء أسس سودان جديد"، والإشرئباب الى وطنٍ حديث يسع الجميع"..
أو الانسلاخ.
وبعيد مقتل جون قرنق في حادث تحطم المروحية، لم يجد أهل الحركة خلفاً منازعاً له في قيادة الحركة.
وجد سيلفا في الحركة ما بعد قرنق، رأياً عاماً، تتصدره القيادات الشابة في
الحركة تعمقُ الشكوك في جدية شريك الحكم، المؤتمر الوطني في تنفيذ برامج
اتفاق السلام التنموية وتحقيق التغيير السياسي الديمقراطي.
ولا مندوحة من التأكيد أن قيادات الحركة الشابة، وأعني التي لم تتجاوز
الخمسين، تثقلها عداوات مريرة مع أركان الحكومة، تمتد إلى الصراعات
السياسية التي لم تخل من العنف في المدارس الثانوية والجامعات، ويقلقها فض
التحالفات قبل السلام مع الأحزاب المعارضة للخرطوم في شمال السودان،
الأحزاب التي توافقت معها الحركة على تغيير الحكم في الخرطوم بالقوة.
تغيير بعد 60 سنة تخلّف
سلفاكير مع جون قرنق
كل ذلك تنفحُ ناره
بطء عملية التغيير في بلدٍ تفترسه سنون تخلف. ولم ينفك سيلفاكير يردد
ضرورة العمل وتهيئة أسباب تصويت الجنوبيين في الاستفتاء من أجل الوحدة..
وأعرض لثلاث سنوات عن إبداء خلاف ذلك، يلملم من هنا وهناك مقابض أمر
الحركة، مظهراً كثيراً من اللين تجاه مخالفيه في الحركة، ومرونة إزاء
خصومه من الجنوبيين
خارجها.
ولفتت قدراته القيادية الأنظار عندما غزا الخرطوم مسلحون من دارفور عام 2008 وأثاروا الوجل والفوضى.
بتحركاته المدروسة وخطاباته الواثقة وقسماته المطمئنة وعربيته الواضحة
المتقنة المنتقاة، طرد سيلفاكير الرعب الذي استبد في شوارع الخرطوم.
بيد أن اليقين الظاهر في إمكان أن تستقطب الوحدة الأصوات في الاستفتاء لم
تلزم لسان سيلفاكير طويلاً، وبعد أن كان قول قرنق "من يرد الانفصال عليه
أن يقاتل للحصول عليه"، أفصح سيلفاكير عن قول أغلب قادة وأعضاء الحركة
الشعبية، قالها سيلفاكير بوضوح لجمعٍ من الجنوبيين في نوفمبر/تشرين الثاني
عام 2009 إن "الاستفتاء فرصة للاختيار بين أن تكون مواطناً من الدرجة
الثانية في وطنك أو أن تكون إنساناً حراً في بلدٍ مستقل".
رابط الحلقة الأولى:
http://www.alarabiya.net/articles/2010/12/21/130400.html