فرحان بن سعيد الضحاك
عدنان سمير دهيرب
سنواتانقضت .. أيام اندثرت .. أمنيات كالسراب تلاشت .. وأعوام تتشابه كل واحدلا يختلف عن الآخر، انه عمر رجل اسمه سعيد ظل يدعو الله وينذر النذور ولايمضي أسبوع أو شهر دون أن يذهب إلى العرافات والعرافين عسى أن يغدو الحلمحقيقة . وتصبح الأمنية التي طالما استقرت في الجنان والعقل أمام النواظرفقد كان قلبه يسبقه كلما أنجبت زوجته . غير أن الهتاف يأتي دون ما ينتظر ،حتى دب اليأس إليه والقناعة تسربت إلى شآبيب النفس أن لا رزق له غيرالفتيات ولكن ثمة جذوة في أعماقه تتردد بين الحين والآخر لتلتقي مع أمنيتهحتى ولدت له ولدا بعد الفتاة التاسعة وإثر زواج امتد عشرين عاما ...لتنسفح الأمنية مرة واحدة .. وراح يضحك ويضحك حتى أطلق عليه الناس اسم(سعيد الضحاك) ومن شدة فرحه وسروره وحبوره وسعادته سمى اسم ابنه (فرحان) .
جاءإلى الدنيا التي تختصر في بيت جدرانه من الطين وسقفه من جذوع النخيل وباحةتعبث فيها الريح . وسط أسرة جلها من الفتيات والنساء ورجل يعمل منذ الصباحالباكر في محطة السكك التي أنشئت حديثا غربي المدينة الصغيرة أو القريةالكبيرة .
عاشسنواته الأولى تحتضنه العواطف الجميلة والرعاية المفعمة بالحب والحنان منرجل وعشرة نساء حتى انه حين يمشي يود الجميع أن يرفعه عن الأرض ويضعه فوقالأكتاف وبين الضلوع .
كبروبدأت أولى معاناة الحياة عند رحيل والد سعيد الضحاك . ومع الخطوة الأولىفي مشوار العمر سقط النظام لتظهر مع بواكير الوعي لشبابه الغض الصراعاتالتي أخذت تسري بين الرجال والنساء . صراعات ليست عراكا من اجل المالوإنما كانت من نمط آخر إنها السياسة والأحزاب وتبادل الأفكار والرغبة فيالحضور لساحة كان الجميع يتبارى فيها كل حسبما يرى ومعظمهم من الشبابالواعي ولكنهم من الطبقة الفقيرة التي كان (فرحان) رمزا لها .
انغمر فيها فرحان عسى أن يحقق بعضا مما يفكر ولكنها كانت اكبر مما يرى ودخل السجن والصورة لم تكتمل أمامه بعد ..
التقىبعدد كبير من الناس بمستويات شتى تعلم منهم وعركته الأيام والأقبيةالمنسية في الأرض القصية ببعض مما تمنحه للفقراء. وحين أطلق سراحه راحيفكر بأسباب الاعتقال ، وما الذي حققه خلال تلك السنوات ؟ ولكنه لم يجدسوى الإيمان الذي عاش إليه يوما .
وتغيرنظام وسقط آخر وهو كالفقراء الذين ترتسم ملامح الوطن على وجوههم . ظل يعيشأيامه وسنواته حتى اعتقل ثانيةً لسبب يجهله ولكنها مرحلة علم أنها من أسوأمراحل العمر . واضحي الناس فيها بين معتقل وقتيل ومعوق وأسير ومنافقوانتهازي ومهاجر والكل مغترب حتى الذين بين أهلهم . إنها مرحلة القطيعالمطيع حتى سقط الذئب .
وفيهذه المرحلة كان (فرحان) يتذكر كيف اعتقل وشبع عذابا وتعذيبا وكلما ينتهيمنه الجلاد ، يسأله هل ما يزال اسمك فرحان بن سعيد الضحاك ؟..
حتىاخذ يردد بعد حين مع وزير الإعلام ما يفخر به ، حيث كان هناك ( ملك يعدمأي حلاق يقص له شعره . فلم يبق في المملكة سوى الحلاق الأخير ، يتخذهالملك حلاقه الخاص لا يغادر القصر بتاتا بعد أن يكتشف سر إعدام جميعالحلاقين : للملك أذنين كأذني الماعز . كيف يبقى الحلاق حبيس القصر وسرالملك "يحوص" في قلبه؟ استأذن من الملك للتنزه في حقل القصر ، وراح الحلاقينبش أرض الحقل ويبوح بالسر للأرض . راحت أيام وجاءت أيام ونما قصب كثيففي الحقل جلبوا راعيا لقص أعواد القصب والتخلص منها . صنع الراعي من القصبنايات راح يبيعها للناس . كل من ينفخ في الناي يخرج لحن السر : للملكأذنان كأذني الماعز! انتشر السر بين لحظة ليلة وضحاها في عموم المملكةوجيء بالحلاق مخفورا أمام الملك واعترف : لم افش السر لأي إنسان ولكني بحتبه للأرض ، فما أدراني أن الأرض ضدك .
أعدمالحلاق وطلع وزير الإعلام الملكي وأعلن للشعب : إننا فخورون أن للملكأذنين كأذني الماعز وعلى كل مواطن أن تكون له أذنا الماعز . وتنتهيالمسرحية بهتاف شعبي : ميع ميع ميع .
واليوم هل يظل صاحبنا فرحان بن سعيد الضحاك متهما ؟!